الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلالتصنيفات الرئيسيةملفات خاصة الصوتياتالمكتبة المقرؤةالإرهابالإرجاءراسلنادخول

التكفير بين أهل السُّنة وسيد قطب

التصوف من صور الجاهلية

!! التفسير السياسي للإسلام

وانتصرت الخُمينية على لبنان
قذائف الحق
فلمَّا أدركه الغرق

التحذير من كتب أهل البدع
غلاة التكفير ودعاة التفجير
العمل الجماعي التنظيمي
ضوابط في الرمي بالبدعة
هل هذا من السلفية؟!
سؤالات إلى جماعة الإخوان المسلمين
اتقوا الله في مصر
خارجون وخوارج
الأصول اليهودية في العقيدة الرافضية
فتنة التكفير والتفجير
حصوننا مهددة من داخلها
اتقوا حرمة المسلمين
دعاة على أبواب جهنم
نظرات في منهج جماعة الإخوان المسلمين
شعار الفاتيكان .. النجاسة من الإيمان !!

هكذا ضيّعوا الأوطان

حكم الرد على المخالف
موطن النزاع في حرب لبنان
حكم الرد على أهل البدع
الرد على من قال بالجهر بالدعاء للميت عند القبر
حقيقة البهـائيـة
نقض الإرجاء
خطبة عيد الأضحى لعام 1430هـ .. دعوها فإنها مُنْتِنَة

إخترنا لكم

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

التحذير من الإرهاب وأهله
حقيقة أسامة بن لادن
السلفية والفرق المعاصرة
ملف خاص بسيد قطب
أحكام القضايا المعاصرة
كشف حال على الجفري
مواقع صديقة

 

مع سيد قطب رحمه الله


للاستماع للمحاضرة :
اضغط هنا                                          قراءة :  13595

الخطبة الأولى

   

     إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ َسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ له ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلي الله عليه وعلى آله وسلم.

     {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

     {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

     {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

     أَمَّا بَعْدُ:

     فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

     أَمَّا بَعْدُ: 

     فإنّ من أصول الاعتقاد عند أهل السنّة, من أتباع محمّد صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الحقيقة؛ أنّهم تسلم صدورهم لأصحاب رسول الله  صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وأنّهم يسلم الأصحاب رضوان الله عليهم من ألسنتهم, يمدحون الأصحاب ويثنون عليهم بما هم له أهل, ويَكُفُّون عمّا شجر بين الأصحاب رضوان الله عليهم بعد موت النبيّ صلى الله عليه وعلى آله  وسلم.

     الكفُّ عمّا شجر بين الأصحاب رضوان الله عليهم, والامتناع والإمساك عن ذكر ذلك, وقراءته و إقراءه, بل وإعدام الكتب التّي تنطوي على شيء من ذلك؛ موقف واضح صريح لأهل السنّة, ولا يكون سنّيا ولا سلفيا من يرضى عن إساءة لواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ولا يكون صحيح الاعتقاد من يرضى بوجود كتاب فيه انتقاص لواحد من أصحاب النبيّ  صلى الله عليه وعلى آله  وسلم؛ لا يجتمعان, ولجمعك النّار والماء في يد أهون وأسلم و أبقى في ضمير المرء وفي سلامة العقل من الجمع بين صحّة المعتقد والرّضاء عن الإساءة إلى واحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وعلى آله  وسلم.

     موقف فارق هو: أصحاب النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما ينبغي من تعزيرهم وتوقيرهم واحترامهم, والدّفاع عنهم عند انتقاصهم, وسلامة الصّدر لهم, موقف فارق بين من كان كذلك وكان منتميا إلى ما جاء به النبيّ  صلى الله عليه وعلى آله  وسلم ظاهرا وباطنا, ومن يعتدي على جناب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وهم حملة الشريعة, وهم نقلة الآثار, وهم الذين بلّغوا الدّين عن المختار صلى الله عليه وعلى آله  وسلم؛ عدول كلّهم, فإذا جُرِحَ شهداؤنا, و إذا جرح نَقَلَة الشرع إلينا وإلى الأمّة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ فهذا سعي في إبطال الشريعة, وهو اّتهام وتنقيص للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنّه ضلّ تلك المدّة المتطاولة يربّي أصحابه رضوان الله عليهم فلم يصحّ له منهم أحد, فكأنّما يرمون النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالفشل في تربيته وفي تعليمه وفي تهذيبه صلى الله عليه وعلى آله  وسلم.
     بل إنّ في انتقاص أصحاب النبيّ صلى الله عليه وعلى آله  وسلم ؛ اتهام لربّ العزّة جلّ وعلا بعدم الحكمة وعدم العلم؛ لأنّ الله ربّ العالمين علم ما سيكون منهم بعدُ, ومع ذلك أنزل القرآن شاهدا ومزكّيا لهؤلاء الأصحاب ممّن تبع محمّدا صلى الله عليه وعلى آله  وسلم, فإنّ الله ربّ العالمين زكّاهم في كثير من المواطن, وقد علم ما سيكون منهم, و بيّن أنّه غفر لهم, فإذا جاء من يقول : "إنّ الأصحاب رضوان الله عليهم لم يكونوا كذلك ولا عند ذلك"؛ فكأنّما يتّهم الله ربّ العالمين في علمه, وفي حكمته, وفي بلاغه لهذه الأمّة سبحانه وتعالى سبحانه.

     وإذن؛ فينبغي على كل مسلم حريص على دينه شحيح بيقينه متّبع لنبيّه صلى الله عليه وعلى آله  وسلم أن يبحثَ هذا الأمر بحثا دقيقا ممحّصا؛ من أجل أن تكون قدمه على الصّراط المفضي إلى الجنّة خلف نبيّه صلى الله عليه وسلم.
     ولا يعلم كثير من المسلمين الطيّبين أنّ من عقيدة أهل السنّة, أنّ من أصول الاعتقاد؛ أنّه يجب الكفّ والإمساك والامتناع عن الكلام فيما شجر بين الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين, هذا أصل من أصول اعتقادك أيّها المسلم المتّبع أن تكفّ عمّا شجر بين الأصحاب رضوان الله عليهم, وأن تمتنع عن ذكر ما كان هنالك ممّا دار بينهم, هذا أصل من أصول الاعتقاد إن لم تفعله ففي اعتقادك ما يسوء.
     قال النبيّ صلى الله عليه وعلى آله  وسلم :( إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا, وإذا ذكر النجوم فأمسكوا, وإذا ذُكر القدر فأمسكوا) وهذا الحديث حسّنه الحافظ العراقي في ((تخريج الإحياء)), وحسّنه الحافظ بن حجر في ((فتح الباري)), و صحّحه الشيخ ناصر في ((السلسلة الصّحيحة)) وفي ((صحيح الجامع)), وهو مروي عن عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه, أخرجه الطبراني في ((الكبير)), وأبو نعيم في ((الحلية)), ورواه بن عدي واللاّلكائي, وروى الحديث أيضا الطبراني وابن عدي عن ثوبان رضي الله عنه, ورواه بن عدي عن بن عمر رضي الله عنهما, ورواه عبد الرزّاق في ((أماليه)) عن طاووس مرسلا؛ حديث ثابت لا مغمز فيه ولا مطعن, وفيه هذا الأمر الظاهر الجليّ :(إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا).

     فما معناه؟

     قال المُناوي في ((فيض القدير)): (إذا ذكر أصحابي أي بما شجر بينهم من الحروب والمنازعات, أي إذا ذكروا بغير جميل؛ فأمسكوا وجوبا فأمسكوا وجوبا عن الطعن والخوض في ذكرهم بما لا يليق, فإنّهم خير الأمّة وخير القرون رضوان الله عليهم أجمعين).
     وذكر الخلاّل في ((السُّنّة)) عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنّه سُئِل عمّا جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم فقال: (أمر أخرج الله يدي منه لا أُدخل لساني فيه).
     وقال إبراهيم النخعي رحمه الله عمّا جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم قال: (تلك دماء طهّر الله أيدينا منها أفَنُلَطِّخ ألسنتنا؟!) .

ما لك؟!

     وذكر الخلاّل في ((السنّة)) أنّ أحمد بن الحسن الترمذي قال: (سألت أبا عبد الله, قلت: ما تقول في ما كان من أمر طلحة والزبير وعلي وعائشة, وأظنّ ذكر معاوية؛ فقال الإمام أحمد: (من أنا أقول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه  وسلم؟!,كان بينهم شيء, الله أعلم)). أعلم)). أعلم)).

     وقال الإمام البربهاري رحمه الله في ((شرح السُّنَّة)): (و إذا رأيت الرّجل يطعن على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه  وسلم فاعلم أنّه صاحب قول سوء وهوى؛ لقول رسول الله صلى الله عليه  وسلم (إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا), قد علم النبيّ صلى الله عليه وسلم ما يكون منهم من الزّلل بعد موته فلم يقل فيهم إلاّ خيرا, ولا تُحَدِّث بشيء من زللهم, ولا حربهم, ولا ما غاب عنك علمه, ولا تسمعه من أحد يُحَدِّثُ به, فإنّه لا يَسلَم لك قلبُك إن سمعت).

 إي والله, فإنّه لا يسلم لك قلبك إن سمعت.

     وقال الإمام أبو عبد الله ابن أبي زمنين الأندلسي رحمه الله في ((أصول السُّنّة)): (ومن قول أهل السنّة أن يعتقد المرء المحبّة لأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم, وأن ينشر محاسنهم, وفضائلهم, ويمسك عن الخوض فيما دار بينهم).ا دار بينهم).

  من أصول الاعتقاد عند أهل السنّة الإمساك عن الخوض فيما دار بين الأصحاب رضوان الله عليهم.

     وقال الإمام أبو عبد الله ابنُ بطّة العُكْبَرِي رحمه الله تعالى في ((الشرح والإبانة على أصول السُّنّة والديانة)): (نكفّ عمّا شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد شهدوا المشاهد معه, وسبقوا النّاس بالفضل؛ فقد غفر الله لهم, وأمرك بالاستغفار لهم, والتقرب إليه بمحبّتهم, وفرض ذلك على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم, وهو يعلم ما سيكون منهم, وأنّهم سيقتتلون, وإنّما فُضِّلوا على سائر الخلق لأنّ الخطأ والعمد قد وُضِعَ عنهم, وكل ما شجر بينهم مغفور لهم).
     الذي أذكره ذكره إمام من أئمة أهل السنّة في بيان اعتقاد أهلها يقول: (ولا تنظر في كتاب صفّين والجمل ووقعة الدّار- أي في وصف مقتل عثمان رضوان الله عليه -, وسائر المنازعات التي جرت بينهم, ولا تكتبه لنفسك, ولا لغيرك, ولا ترويه عن أحد, ولا تقرأه على غيرك, ولا تسمعه ممّن يرويه - فعلى ذلك يقول -: اتفق سادات علماء هذه الأمّة من النّهي عمّا وصفناه - ما هو الذي وصفه؟ يعني من النظر في كتاب صفين والجمل ووقعة الدّار وسائر المنازعات التي جرت بينهم, ثم ذكر بعضا من سادات الأمّة في اتّفاقهم على هذا الأمر فقال-: منهم - أي من العلماء النّاهين عن ذلك - حمّاد بن زيد, ويونس بن عُبيد, وسفيان الثوري, وسفيان بن عيينة, وعبد الله بن إدريس, ومالك بن أنس, وابن أبي ذئب, وابن المبارك, وشعيب بن حرب, وأبو إسحاق الفزاريّ, ويوسف بن أسباط, وأحمد بن حنبل, وبشر بن الحارث, وعبد الوهّاب الورّاق؛كلّ هؤلاء قد رأوا النّهي عنها, والنظر فيها - أي في تلك الكتب -, والاستماع إليها, وحذّروا من طلبها, والاهتمام بجمعها

- أفتترك هؤلاء وتروي عن كَسْتُور بن ضَمُّور؟! -

وقد روي عنهم رحمة الله عليهم فيمن فعل ذلك أشياء كثيرة بألفاظ مختلفة متّفقة المعاني على كراهة ذلك, والإنكار على من رواها واستمع إليها).

     فهذه عقيدة أهل السُّنّة في وجوب الإمساك عمّا شجر - أي عن ذكر ما شجر - بين الصّحابة, وفي وجوب الكفّ عن الكلام فيه ونحو ذلك.

     وقال الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد الدانيّ في عقيدته ((الرسالة الوافية لمذهب أهل السُّنّة)) قال رحمه الله: (ومن قولهم - يعني أهل السُّنّة - أن تُحسن القول في السادات الكرام أصحاب محمّد عليه السلام, وأن تذكر فضائلهم, وتنشر محاسنهم, وتُمسك عمّا سوى ذلك ممّا شجر بينهم؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم (إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا) يعني إذا ذُكِروا بغير جميل, - قال: - ويجب أن يُلتمس لهم أحسنُ المخارج, وأجمل المذاهب لمكانهم من الإسلام, وموضعهم من الدين والإيمان, وأنّهم أهل الرأي والاجتهاد, وأنصحُ الناس للعباد, وهم من قال الله جلّ شأنه فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [الحجر : 47].
هذا كلام الإمام الدّاني رحمه الله تعالى.

     وقال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابونيّ رحمه الله في كتابه ((عقيدة السّلف و أصحاب الحديث أو عقيدة السّلف أصحاب الحديث)) قال: (ويَرَونَ - يعني أهل السنّة - الكفّ عمّا شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم, وتطهيرَ الألسنة عن ذكر مّا يتضمّن عيبا لهم ونقصا فيهم).
     وقال الشيخ عديّ بن مُسَافر الهَكَّارِيُّ رحمه الله فيما يجب اعتقاده, قال : (والكفّ عمّا شجر بين أصحاب نبيّنا صلى الله عليه وسلم, ونشر محاسنهم, والكفّ عمّا جرى بينهم, وأنّ الله قد غفر لهم).
     وقال الإمام الطحاوي رحمه الله في ((العقيدة)): (ونحبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم, ولا نُفْرِط في حبّ أحد منهم - كما فعلت الرافضة إدّعاءًا لا محبة في عليّ رضوان الله عليه, قال: - ولا نتبرّأ من أحد منهم, ونُبغض من يُبغضهم, وبغير الخير يذكرهم, ولا نذكرهم إلاّ بخير, وحُبُّهُم دين وإيمان وإحسان, وبُغضُهُم كفر ونفاق وطغيان).
     وقال الإمام الموفّق المقدسي رحمه الله في ((لُمعَة الاعتقاد)): (ومن السُّنّة تَوَلِّيهِم - يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم -, ومحبّتهم, وذكر محاسنهم, والترحّم عليهم, والاستغفار لهم, والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم, واعتقاد فضلهم, ومعرفة سابقتهم رضوان الله عليهم أجمعين).
     وقال الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه في ((الواسطية)) عن أهل السنة: (ويُمسكون عمّا شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم, ويقولون: إنّ الآثار في مساويهم منها ما هو كذب, ومنها ما قد زِيدَ فيه ونَقَص, وغُيِّرَ عن وجهِهِ, والصّحيح منه هم فيه معذورون إماّ مجتهدون مصيبون, وإمّا  مجتهدون مخطئون).

فَهُم دائرون بين الأجر والأجرين, وأمّا الذي يخوض فيهم فبين أي شيء يدور؟!

     وقال رحمه الله في ((الوصية الكبرى)): (وكذلك نؤمن بالإمساك عمّا شجر بينهم يعني الأصحاب رضوان الله عليهم).
     وقال في ((منهاج السُّنّة)): (ولهذا أوصوّا - يعني أهل السُّنّة من أصحاب الاعتقاد الصّحيح والاتّباع السّليم - أوصَوا بالإمساك عمّا شجر بينهم لأنّا لا نُسأل عن ذلك).

تلك دماء طهّر الله منها أيدينا فلم نلطّخ بها ألسنتنا؟!

     وقال رحمه الله في ((اللّامِية)):

يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبـِي وعَقيدَتِي                   رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَل
اسمَعْ كَـلامَ مُحَقِّقٍ في قَـولـِه                   لا يَنْـثَني عَنـهُ ولا يَتَبَـدَّل
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلِّهُمْ لي مَذْهَبٌ                   وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّــل
ولكلّهــم قـدر عـلا وفضــائــل                   لكنّما الصدّيق منهم أفضل

     يعني رحمه الله بقوله: (ومودّة القربى بها أتوسّل) يعني آل البيت رضي الله عنهم يتوسّل بحبّهم لا بذواتهم, يتوسّل بحبّهم إلى الله ربّ العالمين, وبالسّير على منهاجهم, إذ هم سائرون خلف النبيّ الأمين صلى الله عليه وسلّم.
     ولكلّهم: يعني الصحابة رضي الله عنهم وآل البيت رضوان الله عليهم.

حُبُّ الصَّحابَةِ كُلِّهُمْ لي مَذْهَبٌ                      وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّــل
ولكلّهـم قدر عـلا وفضائل                      لكنّما الصدّيق منهم أفضل
- رضوان الله عليه وعليهم أجمعين -

     وقال السَّفارِنِيّ في بيان العقيدة رحمه الله تعالى:

واحذر من الخوض الذي قد يُزري            بفضلهم مما جَرَى لو تدري
فإنه عن اجتهادٍ قد صَدَر                      فَاسْلَم أَذَلَّ اللهُ من لهم هَجَر
أذلّ الله من لهم هَجَر, أذلّ الله من لهم هَجَر رضوان الله عليهم أجمعين.

     وقال الحكمي رحمه الله في ((سُلَّم الوصول)):

ثمّ السّكوت واجب عمّا جَرَى                      بينهم من فِعل ما قَد قُدِّرا
فكلُّهم مجتهد مثابُ                      وخِطْؤهُم يغفره الوهّاب

     ثمّ قال في شرح هاذين البيتين في ((معارج القبول)): (أجمع أهل السنّة والجماعة, الّذين هم أهل الحلّ والعقد, الّذين يُعتدّ بإجماعهم على وجوب السّكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين الصّحابة رضي الله عنهم.
     فهذا إجماع ممّن يعتد به من أهل الحلّ والعقد, وأصحاب العقيدة الصّحيحة في هذه الأمّة المرحومة, إجماع على أي شيء؟ - على وجوب السّكوت عن الخوض في الفتن الّتي جرت بين الصّحابة رضي الله عنهم بعد قتل عثمان رضي الله عنه -, والاسترجاع - أي من الإجماع أيضا الذي أجمع عليه أهل الحلّ و العقد  ممّن يعتد بإجماعهم  وبقولهم في دين الله تعالى- والاسترجاع على تلك المصائب الّتي أصيبت بها هذه الأمّة, والاستغفار للقتلى من الطرفين, والتَّرَحُّم عليهم, وحفظ فضائل الصحابة رضوان الله عليهم, والاعتراف لهم بسوابقهم, ونشر مناقبهم عملا بقول الله عزّ وجلّ: {
وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر : 10]).
     وقال أيضا في ((أعلام السُّنَّة المنشورة)): (الواجب للصّحابة رضوان الله عليهم علينا - الواجب علينا لهم - سلامة قلوبنا وألسنتنا لهؤلاء الأصحاب المكرّمين رضوان الله عليهم أجمعين, ونشر فضائلهم, والكفّ عن مساويهم وما شجر بينهم, والتنويه بشأنهم, كما نوّه تعالى بذكرهم في التوراة والإنجيل والقرآن, وثبتت الأحاديث الصّحيحة في الكتب المشهورة من الأمّات وغيرها في فضلهم رضوان الله عليهم أجمعين).

     النّقول في هذا أكثر من أن يحاط بها؛ لكثرتها وطيب عَرفِها, وموفور بهائها, وكلّها مجمعة على وجوب الكفّ والإمساك والامتناع عن ذكر ما شجر بين الأصحاب رضوان الله عليهم بعد مقتل عثمان رضوان الله عليه, كما نقل الإجماع عن ذلك غير واحد ممّن يعتدّ بهم من علماء هذه الأمّة الذين يتّبعون السنّة, ويسيرون خلف النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم.

فما موقف أهل السنّة من الكتب الّتي فيها ذِكر ما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم؟

     قال الذهبي رحمه الله في ((سير أعلام النبلاء)): (تقرّر الكفّ عن كثير ممّا شجر بين الصّحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين, ومازال يمر بنا ذلك في الدّواوين والكتب والأجزاء, ولكنّ أكثر ذلك منقطع وضعيف, وبعضه كذب, وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا؛ فينبغي طيّه وإخفاؤه - لا إذاعته وبثّه ونشره, قال: - فينبغي طيّه وإخفاؤه بل إعدامه, لتصفو القلوب, وتتوفّر على حبّ الصحابة رضوان الله عليهم والترضّي عنهم, وكتمان ذلك مُتَعَيَّن عن العامّة وآحاد العلماء - كتمان تلك الكتب الّتي قد انطوت على ما فيه ثلب وتنقيص وحطّ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم, إعدام تلك الكتب واجب, وإخفاؤه وطيّه واجب, ولا يُظهر شيء من ذلك للعامة ولا لآحاد العلماء, بَلهَ طلاب العلم ولو كانو كبارا -, وقد يُرخّص في مطالعة ذلك خَلوة للعالم المنصف الحريّ بأن يصل إلى الحقّ, العريّ من الهوى بشرط أن يستغفر لهم كما علّمنا الله حيث يقول: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر : 10] - أُمِروا بالاستغفار لهم؛ فلعنوهم بل وكفّروهم وشتموهم وانتقصوهم, وما عرفوا لهم فضلهم, ولا ردّوا لهم بعضا من جميلهم عليهم كما سترى إن شاء الله ربّ العالمين -, فالقوم لهم سوابق وأعمال مُكَفِّرَة لما وَقَعَ منهم, وجهاد مَحَّاءُ, وعبادة مُمَحَّصَةٌ - يعني للّه ربّ العالمين -).
     هذا كلام الإمام الذهبي رحمة الله عليه, وفيه أنّه ينبغي أن تُطوى تلك الكتب, وأن تُخفى, بل ينبغي أن تُعدم؛ لتصفو القلوب على محبّة أصحاب نبيّنا صلى الله عليه وعلى آله وسلّم, ولا يُرخّص في إبراز شيء من ذلك للعوامّ ولا لآحاد العلماء الذين لم يتثبّتوا بعد من القضية, ولم يحيطوا بها علما, ولم يبلغ بهم علمهم تلك القِمّة السّامية الشّامخة العالية التي يمكن إذا ما وصلوا إليها أن يدركوا المرامي الّتي كانت وراء بواعث الأصحاب رضوان الله عليهم فيما أتوا وما تركوا, وما قالوا وما عنه كفّوا وسكتوا رضوان الله عليهم أجمعين.

     عقيدة أهل السنّة أن تُمزّق تلك الكتب, وأن تُحرق, وأن تعدم كما قال الذّهبيّ الإمام رحمة الله عليه, وقد بدأ كلامه بقوله: (وقد تقرّر) يعني هذا ما عليه العلماء من أهل السنّة من أصحاب الاعتقاد الصّحيح والمنهج السويّ, سلفا وخلفا.

     وهذه فتوى للعلاّمة الشّيخ  عبد العزيز رحمه الله سُئِل عن قول سيّد قطب رحمه الله في كتابه ((كتب وشخصيات)) صفحة 242 طبعة دار الشروق, فيما قاله عن معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهما, قال سيّد: (إن معاوية وزميله عمروا لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه  بدخائل النفوس, وأخبر منه بالتصرّف النافع في الظرف المناسب, ولكن لأنّهما طليقان في استخدام كل سلاح, وهو مقيّد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع, وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذّمم؛ لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدّرك الأسفل, فلا عجب ينجحان ويفشل, وإنه لفشل أشرف من كلّ نجاح).
     قال الشيخ رحمه الله لمّا قُرِأ هذا  عليه: كلام قبيح, هذا كلام قبيح, سبّ لمعاوية وسب لعمرو بن العاص, كلّ هذا كلام قبيح وكلام منكر.
     قال السائل: قوله: (إن فيهما نفاقا) أليس تكفيرا؟  - يعني لهما رضوان الله عليهما -.
     قال الشيخ رحمه الله: هذا خطأ وغلط لا يكون كفرا, فإنّ سبّه لبعض الصّحابة أو واحدا من الصّحابة منكر وفسق؛ يستحقّ أن يُأدّب عليه - نسأل الله العافية -, ولكن إذا سبّ الأكثر أو فَسّقهم يرتدّ لأنّهم - أي الصحابة - حَمَلَة الشرع؛ إذ سَبُّهُم معناه قدح في الشرع.
     قال السائل: ألا يُنهى عن هذه الكتب التي فيها هذا الكلام؟
     قال الشيخ رحمه الله: ينبغي أن تُمَزّق.
     ثم قال الشيخ: هذا في جريدة؟
     قال السائل: في كتاب أحسن الله إليك.
     قال الشيخ: لمن؟
     قال السائل: لسيّد قطب.
     قال الشيخ: هذا كلام قبيح.
     قال السائل:في ((كتب وشخصيات)).

     وهذا إن أردت الرّجوع إليه في شرح الشيخ رحمه الله لرياض الصالحين, وكان في يوم الأحد 18/07/1416 من هجرة المختار صلى الله عليه وسلّم.

     فهذا موقف علماء أهل السنّة سلفا وخلفا من الكتب الّتي فيها إساءة للأصحاب وانتقاص لهم رضوان الله عليهم أجمعين.

تقرّر هذا؟
الله المستعان!