1) لا أتهم نيات المفتونين الفاتنين المفسدين في الأرض؛ فأمر ما تٌخْفِي الصدور: لله وحده العلم به والحكم عليه، ولكني أتَّهم فكرهم وعملهم المعلن بالفساد والإفساد، مستنيرًا بقول الله تعالى عن شر خلقه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103-104]، وقول الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11-12]، وقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة» رواه مسلم، وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (بايعنا رسول الله على السمع والطاعة ... وعلى أثَرَةٍ علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله) متفق عليه.
2) ولقد وسوس الشيطان لنفر من أوائل أهل الفتنة الخارجين على ولي الأمر فتعاونوا على الإثم والعدوان، وأعلنوا مخالفتهم لولي الله الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وانتهى الأمر بقتله؛ فسنوا الخروج على ولاة المسلمين وفتحوا باب الفتنة لمن بعدهم في هذه الأمة والبلاد المباركة ولكنهم كانوا خيرًا ممن ولج باب الفتنة بعدهم علمًا وعبادة وحرصًا على الالتزام باتباع السنة والحذر من الابتداع في الدين اعتقادًا أو عبادة. وكما عصفت ريح الفتنة بالأوائل الخارجين عفا الله عنهم عصفت ريح أشد وأشر بالأواخر من أتباعهم منتمين للسنة أو البدعة وهم أحرى بالجهل والضلال.
3) ولقد رأيت وسمعت قبل نحو نصف قرن من يخرج على دولة تجديد الدين والدعوة على منهاج النبوة من أبنائها الذين غذتهم بخير الدين وخير الدنيا فجازوها بالعقوق والخيانة والغدر؛ هجروا معسكر التوحيد والسنة في عهد الملك سعود (رحمه الله) المتميز بتأسيس معاهد العلم الشرعي وكليات الشريعة واللغة العربية التي قامت على أسُسِها جامعة الإمام محمد بن سعد وجامعة أم القرى، ثم الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية (لغير السعوديين إعانة لهم على نشر الدين الحق في بلادهم) وطبع أمهات المراجع العلمية الشرعية (لأول مرة) في التفسير والفقه والحديث والتوحيد والسيرة واللغة؛ هجروا معسكر التوحيد والسنة إلى معسكر القومية العربية (حمية الجاهلية) والاشتراكية الجبرية الطاغية الظالمة التي استحلت نهب أموال الناس وملكهم وأرضهم بدعوى إعادة توزيعها بطريقة أعدل [من شرع الله]، وهذا ما لم يسبق إليه غير عصابات القرامطة، ثم الإسماعيلية النزارية بقيادة حسن بن الصباح، ثم البلاشفة الروس ثم الأوربيين ثم شيوعي الصين، ثم سيد قطب رحمه الله باسم الإسلام [المفترى عليه] في كتابيه: (العدالة الاجتماعية) و(معركة الإسلام والرأسمالية) 1949 و 1950 زمن الثورة الصينية الشيوعية؛ وهجروا معسكر الفطرة التي فطر الله الناس عليها: (الحكم بشريعة الله) إلى معسكر الحكم بالدستور والانتخابات وحرية الفكر والتعبير والدين: أسوأ ما شرعته الوثنية اليونانية قبل (2500) سنة وأحيته ثورة الظلم والإلحاد الفرنسية قبل (200) سنة بعد أن رفضته القرون بينهما.
بل هجروا أرض الحرمين ورسالة الله الأخيرة إلى الناس كافة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وتجديد الدين في كل قرن من القرون الأخيرة الثلاثة وفاء بعهدٍ بين الإمامين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله في القرن الثاني عشر من الهجرة؛ هجروها إلى أرض وثنية الأضرحة والمقامات والمزارات والمشاهد، فلم تجازهم دولة التوحيد والسنة بأكثر من التباطؤ في الموافقة على عودتهم، ومطالبتهم بتوقيع تعهد بعدم العودة إلى سيئ عملهم، في عهد الملك فيصل رحمه الله.
4) وجاءت عصابة من الخوارج المحدَثين عام 1400 في عهد الملك خالد رحمه الله وكانوا أقرب من الخوارج المحدثين قبلهم إلى ما كان عليه الخوارج الأول في العلم والعبادة ولكنهم لم يتخلفوا عن سنة الله في الخارجين على الإمامة والجماعة والسنة فاستفتحوا وخاب كل جبار عنيد، ولأول مرة منذ القرامطة تسببوا في إغلاق المسجد الحرام دون الطائفين والعاكفين والركع السجود خمسة عشر يومًا حتى طهرت دولة التوحيد والسنة بيت الله منهم وأقيم على مباشري إفكهم حدَّ الحرابة من كتاب الله.
5) وجاءت عصابة بعدهم عام 1410 في عهد الملك فهد رحمه الله يخالفون ولاة الأمر من العلماء والأمراء في قرار الدولة الاستعانة بعد الله تعالى بالقوات الدولية لإخراج جيش البعث العراقي الملحد الظالم من الكويت ومنعه من غزو بقية دول مجلس التعاون الخليجي وناصَرَ هذه العصابة وناصَرَت المفكرين الإسلاميين (بزعمهم) والشيوعيين والقوميين العرب وجميع فرق الضلال في المنطقة وكل حاقد وحاسد. وعزلت دولة التوحيد والسنة المعاندين منهم في السجن حتى أعلنوا التوبة (والوسطية) والرجوع عن ضلالهم والله أعلم بما تخفي الصدور. ولا أنسى ذكر شيخ السنة في حلب/ محمد نسيب الرفاعي رحمه الله الذي وقف وحده في مواجهة فتنة هؤلاء الخوارج في بلاد الشام وبلغ به تأييد القرار الشرعي للدولة المباركة (بالوقوف في مواجهة العدوان البعثي وأنصاره في الداخل والخارج) إلى أن يعلن للملأ ـ رغم كثرة أهل الضلال ـ أن ولاة الأمر في السعودية لو لم يستعينوا بالقوات الدولية لخالفوا الشرع والعقل ولأجرموا في حق الإسلام والمسلمين؛ فإن جزيرة العرب لا تزال البقعة المباركة الوحيدة التي سلمت من إلحاد ووثنية حكم البعث العراقي وغيرها من وثنية قديمة وحديثة تملأ طول بلاد المسلمين وعرضها منذ عهد الفاطميين قبل ألف عام لم تقم دولة واحدة لإزالتها وتجديد الدين والدعوة على منهاج النبوة غير السعودية في القرن الثاني عشر ثم الثالث عشر ثم الرابع عشر الهجري رغم عدواة ومحاربة وخروج المنتمين للإسلام والسنة أو البدعة في الداخل والخارج إلى يومنا هذا. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سن لمن أراد التأسي به التعاون والتعامل مع اليهود والنصارى والمشركين بالإحسان، حتى لقي ربه وهو مدين ليهودي في المدينة، واليهود يزرعون خيبر بنصف ما يخرج منها بعقد إثر هزيمتهم (وهم العدو المحاربون)، ولم يُحَلَّ العقد في ولاية أبي بكر بل في ولاية عمر رضي الله عنهما بعد انتفاء الحاجة إليهم، والحمد لله أولاً وأخيراً. بل أفرح الله المؤمنين بنصره أسلاف نصارى الروم على ملحدي ووثني الفرس حكام إيران (والعراق، أحياناً) في المنطقة ذاتها: {ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 1-5].
ولا أنسى ذكر الشيخ يوسف البرقاوي من أصل فلسطيني في الأردن إذ خالف جميع مواطنيه الذين وقفوا مع الباطل وفرحوا بفتنة البعث العراقي في الخليج وزادوها اشتعالاً، وكتب بحثاً علمياً شرعياً يؤيد قرار ولاة الأمر السعوديين للنشر في مجلة رابطة العالم الإسلامي تحدياً لهم. ولا أنسى ذكر مقال الأستاذ د. غازي القصيبي اليومي في جريدة الشرق الأوسط الذي كان قرة عين لأهل الكويت خاصة وغيرهم من أهل الحق في الخليج عامة وشوكة في جنب أهل الباطل في الخارج والداخل.
6) وليتي لا أذْكر ولا أُذَكِّر ولا أعيد كشف هذه السَّوْءات، ولكن الخوارج يلجؤوننا إلى التذكير بسوء أعمالهم وسوء عواقبهم، بما يخرجون به على الأمة بعنوان: {فستذكرون ما أقول لكم} في غير موضعه الشرعي، أو بعنوان: حقوق الإنسان (العلمانية)، أو بعنوان: الملكية الدستورية، أو بعنوان: بيان علماء الأمة (من غير علماء الأمة)، أو بعنوان: الإصلاح من المفكرين (الإسلاميين بزعمهم) ومن المفكرين (العلمانيين) وهم مفسدون. هدى الله الجميع لأقرب من هذا رشداً. (1430 هـ) |